المنطقة الشرقية في ليبيا، تعتبر من أخطر المناطق اليوم التي يصعب على أي شخص أجنبي دخولها، ورغم علاقاتنا القوية بالداخل، إلا أننا استغربنا غلق معظم المطارات المدنية هناك وتحويل الرحلات إلى مطارات شبه عسكرية، يعني الدّخول إلى ليبيا بات يتطلب موافقة الجهات العسكرية للنزول في تلك المطارات، لتصبح المعادلة بالمختصر المفيد الغلق الجوي والتشديد الأمني وبسط سيطرة الجيش على المنطقة.
ونحن نتجول داخل المنطقة الشّرقية طلب منا أخذ الحيطة والحذر، لأن بعض العناصر لاتزالتحاول التّسلل إلى هناك، طبعا هي عناصر أنصار الشريعة وتنظيم داعش الذي بات الخطرالأكبر الذي يهدد ليبيا حاليا مقارنة بما يسمى عمليات قسورة أو فجر ليبيا، اختطافنا كانواردا أو رمينا بالرصاص أيضا، تجولنا ليلا أو لوحدنا ممنوع طبعا من باب الاحتياطاتالأمنية، أصريت على أن أدخل كل من مناطق لبرق والبيضاء وبنغازي، كانت كلها تعيش حياةطبيعية، المواطنون يتجولون والمحلات مفتوحة، لكن لا يخلو أي واحد منها من شاشاتالتّلفزيون التي تنقل كل ما يجري داخل جبهات القتال وقبل أن يبيعك أي صاحب محل أي شيءيتبادل معك أطراف الحديث حول الوضع الراهن والمستقبل المظلم الذي ينتظرهم.
بنغازي خط النار
وإن كان دخول المنطقة الشرقية ليس بالأمر السهل، فإن الدخول إلى بنغازي كان بالنسبة لنايشبه عملية الانتحار لما كنا نسمعه من سيطرة المجموعات الإرهابية وتمكنها في الداخل،أخذنا الموافقة من القيادة العسكرية التي وفّرت لنا كل الدعم والمرافقة الأمنية المطلوبة،لندخل ولأول مرة إلى غرفة العمليات الخاصة، قائدها هو العقيد فرج البرعصي الذي أخبرناأن كل ما يشاع عن سيطرة الجماعات الإرهابية غير صحيح، وأن الجيش تمكّن من تحريرهابعد معارك طاحنة في الداخل ولم يبق بها سوى منطقتين تتحصن بداخلهما تلك العناصر التيبدأت بالفرار إلى المناطق المجاورة التي أتت منها، وهي معسكرات التدريب التي أصبحتعلنية وليست سرية بكل من سرت ودرنة، وقفنا على بعض الشروحات التي قدمها العقيدلندخل بعدها إلى منطقة بنغازي المحررة، لاحظت وأنا رفقة هؤلاء أنه قد تم تخصيص قواتخاصة لمرافقتي وعدم الابتعاد عني .
كما أن نفس تلك القوة تبقى تنظر إلى أسطح وأعلى البنايات والعمارات التي كنا نتواجدبقربها عرفت عندها أن الأمر لا يخلو من وجود عناصر لتلك الجماعات داخل تلك المناطق،وأن تخوف القوات التي كانت معنا هو من القناصات التي يمكن أن تتربص بنا في أية لحظة،لهذا خففت من تواجدي وتغطيتي، ورغم الفترة البسيطة لتي قضيتها في المنطقة الشرقية، إلاأنني لمست فعلا تمسك وحب المواطنين للجيش وعملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفةحفتر، كيف لا وكل اللافتات الموجودة هناك لا تخلو من ذكر اسمه وتشجيعه على مواصلةالقضاء على تلك الجماعات .
أما اللواء الذي كان لنا لقاء حصري معه فإن معظم المواطنين هناك لا يعرفون مكان تواجدهولم نكن نعرف نحن أنه يسكن اليوم داخل ثكنة عسكرية يمارس بداخلها مهامه اليوميةويتحكم في كل الأوضاع الموجودة بكل المناطق من الغرب إلى الشرق وحتى الجنوب في اكبرغرفة عمليات بها اكبر الضباط من مختلف الرتب المهمة، ولا يمكننا ذكر المكان من الناحيةالأمنية طبعا.
سواتر أمنية وإجراءات مشددة لحماية خليفة حفتر
الدخول إلى أكبر الثكنات العسكرية المهمة الموجودة في ليبيا، يعتبر سري جدا، لأن به اكبرغرف العمليات التي تقوم بالضربات الجوية ضد المناطق والمواقع التي تتمركز بها مختلفالقوات من أنصار الشريعة وفجر ليبيا وحتى داعش، طبعا كانت لنا امتيازات للدخول إلىهناك، وكانت البداية من قواعد منطقة الشرق، قبل الوصول إلى إحدى البوابات، لفت انتباهيساتر أمني كثيف والساتر الأمني هنا يعني الكثبان الرملية التي يتمركز خلفها العساكر،همس مرافقي في أذني قائلا هذه الإجراءات المشددة التي ترينها موجودة من ضرب القاعدةومحاولة اغتيال اللواء خليفة حفتر، عرفت عندها أن تلك المجموعات فعلا أصبحت متمكنةومتمركزة داخل ليبيا، إذ كيف لها أن تصل إلى أكبر قاعدة جوية وتحاول تفجيرها عن طريقعملية انتحارية.
وهنا أخبرني المرافق أن العمليات الانتحارية التي ترتكبها تلك الجماعات هي العائق الأكبرللجيش، لأن ليبيا لم تصل في أية مرحلة إلى هذه العقيدة التي تصل بالجهادي إلى تفجير نفسهعند أهم البوابات والقواعد والمنشآت العسكرية، أكملنا طريقنا إلى داخل القاعدة العسكريةلنقف عند طائرات الميغ 21 والميغ 23 الروسية الصنع، يقول مرافقي أنها من سربالطائرات القديمة التي كانت ليبيا تمتلكها من عهد النظام السابق للراحل القذافي، ليضيف أنطائرات السوخوي نوعان او ثلاث منها موجودة أيضا تحت الخدمة وتقوم بعمليات الضرباتالجوية أيضا، زيادة على رؤيتنا للطائرات العمودية المسلحة التي تقوم هي الأخرى بطلعاتها،كان الطيارون في تلك القاعدة بصدد القيام بالمراحل الأخيرة لعملية الإقلاع بطائرة الميغ 21،أما الوجهة فكانت منطقة الصابري التي تتمركز بها بقايا تلك الجماعات الإرهابية المسلحة.
طائرات خليجية لدعم حفتر ضد فجر ليبيا
لاحظنا خلال تواجدنا بالعديد من القواعد العسكرية الجوية التي دخلناها وجود طائرات أجنبيةتجلب الدعم، ليخبرني مرافقي أنها تأتي من الدول التي تدعم الجيش الليبي وعملية الكرامة،هذا من الناحية الشرقية طبعا، أما الجهة الغربية فتختلف الجهات التي تدعمها، وهنا أفادنيمرافقي أن الخلاف الدائر اليوم بين المنطقتين هو من هذه النقطة، أولا عدم وجود تغطيةجوية قوية من الناحية الغربية تردع تلك الجماعات عن التقدم لكون معظم السلاح الجويوقوته موجود في الجهة الشرقية.
أما الخلاف الثاني فيكمن في الدول التي تدعم الجهة الغربية وأهمها منطقة الزنتان التيترغب العديد من الدول في مساعدتها عن طريق إرسال السلاح ومختلف أنواع الدعم، لكنالعملية تتوقف عند وصولها إلى المنطقة الشرقية، وهنا المشكل الكبير الذي يدور بينالمنطقتين أو قيادة المنطقتين، تذكرت عندها الحوار الذي أجريته مع اللواء حفتر عندما اتهمقائد الجهة الغربية بالمجلس العسكري لمنطقة الزنتان ووزير الدفاع السابق أسامة جويليبأنه إخواني، وتذكرت أيضا عندما عملت مع نفس الشخص وذكر انه لا يتفق مع حفتر رغمأن الهدف واحد، لأصل إلى حقيقة الخلاف الدائر في التموين بالسلاح ولعبة الدعم من دولمختلفة خليجية وأوروبية تلعب كل منها حسب أجندتها ليصبح لكل منطقة اليوم ممولهاالخارجي.
الزنتان... العمود الفقري لعملية "الكرامة"
التحرك من الجهة الشرقية إلىالجهة الغربية تطلّب مناالتحرك عن طريق الطائراتالعسكرية، لهذا وفرت لناطائرة عمودية أخذتنا منمنطقة لبرق إلى مطار طبرقالعسكري، عند نزولنا هناكوقفنا على طائرة أجنبية، كانتمهمتها نقل المساعداتوالمؤن إلى منطقة الزنتانالتي تعاني الحصار اليوم منقبل العديد من الجبهاتوالجهات التي فتحت ضدها، أخبرني أحد المرافقين أن هذا المطار أصبح اليوم الوسيلةالوحيدة لمساعدة منطقة الزنتان على مواصلة مواجهاتها داخل الجبهات، وكثيرا ما يأتيالدعم من بعض الدول وتقبل الجهة الشرقية بمروره، لأنه يكون من المواد الغذائية والأدويةوغيرها من الأمور الضرورية الأخرى، أما الطائرات التي ترفع تلك المؤن فهي من دولصديقة اليوم أو لها مصالح مع منطقة الزنتان، فمثلا الدولة التي وقفنا على طائرتها كانتدولة عربية خليجية تعتبر اليوم اكبر حليف لنفس المنطقة، انتظرنا إكمال عملية رفعالمساعدات لنصعد بدورنا داخل نفس الطائرة ونقصد منطقة الزنتان، التي وصلناها ليلا، وماإن طلع الصباح حتى كنا في الصفوف الأولى مع الجيش داخل الجبهات.
فالزنتان اليوم تعتبر العمود الفقري في عملية إدارة الأزمة، وانهيارها يعني انهيار كلالمنطقة الغربية وحتى الجنوب، والدليل على ذلك وجود غرفة عمليات كبيرة من الجيش هناكيقودها العقيد إدريس مادي، بالتنسيق مع المجلس العسكري لنفس المنطقة، العمليات هناكبيرة، فالجبهات المفتوحة كثيرا ما تفوق طاقة احتمال القوات هناك، لكونها تواجه كل منقوات فجر ليبيا في الجهة الشرقية وصولا إلى معبر راس الجدير، وطرابلس من خلال منطقةالزاوية، وكذا أنصار الشريعة من جهة صبراته وزوارة وغيرها، وأيضا داعش التي تحاولالتسلل من الجنوب، وما زاد الطينة بلة هو وقوف معظم المناطق الحدودية للمنطقة ضدهامثل قبائل الجبل الغربي وبعض المناطق التي تدعم كل القوات التي تأتي لضرب منطقةالزنتان، والتهمة الوحيدة هي أن هؤلاء من الأزلام أو يضمون تحتهم الموالين لنظام الراحلالعقيد معمر القذافي، وكذا لكون نجله سيف الإسلام بالداخل.
حدود الجزائر مستباحة من قبل المسلحين
الحديث عن الجماعات الإرهابية في ليبيا بات أمرا لا مفر منه، وجودنا بالداخل جعلنا نقفعلى تلك الحقيقة لا أن نسمع عنها، وهذا خاصة عند ذهابنا إلى مناطق الجنوب، كان الذهابعن طريق مسالك وعرة وغير شرعية لتجنب هؤلاء، غير أنني كثيرا ما كنت أرى علم أنصارالشريعة الأسود في العديد من المناطق، وهنا بدا حديثي أنا والمرافق "أنت الآن في أحد أهممعاقل التدريب الخاصة بهؤلاء ولا تخافي، لأن أحدا لن يؤذيك مادمت معنا"، سألت مرافقيعن طريقة دخول وخروج هؤلاء، ليجيب بأنهم يدخلون من النيجر ومالي، مضيفا "لاتستغربي، فالحدود سهلة جدا بالنسبة لنا للقيام بعملية الدخول والخروج"، ليكمل "تربطنيعلاقات جيدة بهؤلاء، هل تعلمين أن معظم السلاح الذي استخدم في تلك اعتداء تيڤنتورينخرج من هنا من ليبيا، حتى القيادات الكبيرة التي خططت والتي تقوم اليوم بأكبر العملياتوالضربات في العالم موجودة في ليبيا"، حبست أنفاسي، هل أنا فعلا داخل معاقل هؤلاء،وكيف تحولت ليبيا اليوم من أأمن بلد في عهد القذافي، إلى البلد الثالث في احتضان الإرهاببعد سوريا والعراق، أخبرني نفس المصدر أن أهم معاقل تدريب هؤلاء هي في درنة وسرتوحتى مصراته والجنوب أيضا في سبها وأجدابيا.
أما الدخول فيقول انه جد عاديحتى عن طريق مطاراتالمدنية، وهنا أدركت لماذاأصبحت تلك المطارات شبهعسكرية، ولماذا أصبح الجيشيرفض دخول أي أجنبي إلىليبيا حتى العرب منهم، لكنوحسب متحدثي فإن أكبر مدخللهم هو من ميناء ومطارمصراته وحتى من الحدودالتونسية لكون نفس البلدليست لديه الإجراءات الأمنيةالمشددة لردع هؤلاء "أكبر الوافدين إلى ليبيا للجهاد هم من الجزائريين والتونسيين، أكيديوجد مصريون وسوريون، لكن اكبر المهارات في الجزائريين الذين تدربوا في سورياوالعراق وحتى في السودان، حاليا تقوم جماعة أنصار الشريعة وداعش باستقبال المجندينمن مختلف بقاع العالم، ولا تستغربي إن قلت لك حتى من أوروبا، ليتم بعدها إرسالهم إلىمعسكرات التدريب داخل ليبيا وخارجها خصوصا في السودان التي تمدهم حتى بالأسلحة ماساعد هؤلاء كثيرا على التوغل أكثر في ليبيا، وإقامة إمارة إسلامية يتنازع عليها اليوم مابين أنصار الشريعة التي ترفض مبايعة البغدادي الذي يحكم "داعش".
كانت الطريق طويلة للوصول إلى قلب الصحراء، طريق اكتشفت فيها أيضا تلاعب ووجودأجندات أجنبية ويد حتى في الإرهاب الموجود حاليا "هناك بعض الدول الغربية التي تمولالإرهاب في ليبيا عن طريق بعض الأسماء الكبيرة المعروفة، الحرب قذرة هنا وللأسف فيهاحتى الدول العربية، بالنسبة لنا في الجنوب اتخذنا موقفا مع العديد من الدول الإفريقية ولاتستغربي إن قلت لك أننا نستقبل حتى رؤسائهم هنا، لكن في سرية تامة وكتمان، هدفنا هوالوصول إلى حماية الجنوب من هؤلاء، خاصة وأن حدودنا مع الجزائر البلد الذي نحترمهكثيرا ونقدره ويعز علينا أن نرى تلك الجماعات تحاول اختراقه عن طريق شبكات تجنيدنعرفها جيدا تدخل حتى النساء الجزائريات إلى معاقل الجهاد للقيام بما يعرف بجهاد النكاح،هنالك العديد من الحقائق المثيرة والخطيرة هنا التي ربما سنكشف عنها يوما ما".
.. هكذا ختم مصدرنا حديثه، رافضا البوح بأي أمر آخر، رغم أنني كنت أعرف انه يعرف حتىالرؤوس الكبيرة داخل تلك الجماعات والطرق التي يدخل منها هؤلاء إلى قلب الصحراء، لكننزولا عند رغبته لم أشأ الإلحاح أكثر، وعرفت بيني وبين نفسي أن ما يحدث في ليبيا ليسصراع قبائل أو أطراف أو حتى حرب أهلية بقدر ما هي صراع أجندات ومصالح دول كبرى.
|